الونش

الأحد 20 سبتمبر 2020

بعد انتهاء غالبية مشروع التطوير والتوسيع والتجميل اختفى تقريبا الزحام الذي كان يخنق شوارع مصر الجديدة. فالكيلومترات القليلة التي كانت تستغرق أوقات طويلة أصبحت لا تستغرق إلا دقائق معدودة.ـ

والجديد أيضا هو قيام إدارة المرور بتسيير دوريات سيارات الونش البوليسية الكثيرة المزودة بمعدات رفع السيارات أو كلبشتها. عليها طاقم يقوده ضابط شاب تعمل طوال النهار والليل لدفع السائقين على احترام علامات ممنوع الانتظار وعدم الانتظار صف ثاني لهدف أساسي واحد هو المحافظة على السيولة.ـ

العجيب فعلا هو تعامل السائقات والسائقين مع هذا النظام الجديد. فأصبحت قريحة التحايل ومحاولة الهروب من الونش فرجة ممتعة تشبه أفلام كرتون توم وجيري التاريخية.ـ

ربما يختلف البعض على فكر التطوير وشكله وتفاصيله ولكني لا اعتقد ان هناك من يختلف على انفراج السيولة المرورية. المشكلة الكبيرة في تصوري هي الغياب الكامل لوعي السلامة في طريقة تعامل السائقين والمشاة مع الشوارع الواسعة السريعة. والواقع أن غياب الوعي وعدم احترام أي نظام للمرور هي السمة السائدة في شوارع غالبية مدن مصر. وإذا كان تغليظ العقوبات ورفع قيمة المخالفات هي وسيلة المسئولين في محاولة التحكم في انضباط الشارع، فأتصور أن تعليم السائقين والمشاة أن الشوارع ليست غابة أو ميدان معركة وتوعيتهم بنظم وقوانين استعمال هذ الشوارع يجب أن يلقى اهتمام أكثر.ـ

فربما يكون من المفيد تعليم الأطفال في المدارس الالتزام بالنظام ومراعاة حقوق الاخرين. التحدي الكبير هنا هو أيجاد معلمين لذلك ففاقد الشيء لا يعطيه.ـ

تحضرني هذه القصة بالمناسبة:ـ

في إحدى رحلاتي لأمريكا قمت باختيار فندق له موقف للسيارة التي كنت مستأجرها. عند وصولي اكتشفت أن مبيت السيارة في موقف الفندق يكلف مبلغا كبيرا بينما كان مسموح الانتظار في الشارع أمام الفندق بتكلفة قليلة أثناء ساعات اليوم ومجاني من الساعة التاسعة مساءا حتى الساعة السابعة صباحا. القرار كان سهل وسريع. المشكلة أنني لم أكن اغادر الفندق قبل التاسعة صباحا وكان في تصوري انه لن يكون هناك من يبحث عن تأخير بسيط مثل هذا في شارع جانبي في واحدة من الضواحي المتطرفة لمدينة ميامي الكبيرة.ـ

سأترك لكم تخيل النتيجة.ـ

أهم ما نتعلمه في المدرسة هو حقيقة أن الأشياء المهمة لا يمكن أن نتعلمها في المدرسة

هاروكي موراكامي – كاتب ياباني

السلامة

الأحد 5 يوليو 2020

واحد من أهم معالم التغير في الصناعة والذي واكب التقدم الصناعي خلال القرن الماضي كان تطور فكر السلامة.ـ

أرتكز هذا التطور في تصوري على تحويل السلامة من التنفيذ البوليسي للقوانين إلى ترسيخ مبدأ أن كل من يدخل من بوابة المصنع هو مسئول عن سلامته الشخصية وسلامة الأخرين وسلامة المصنع.ـ

كان أحسن تعبير عن هذا المبدأ هو تعليق مرايا مكتوب عليها عبارات مثل “تعرف على مسئول السلامة”. وكتابة مرادفات لهذه العبارة على كل المرايا في الحمامات وغرف تغيير الملابس.ـ

وأصبح من الضروري أن كل من يقوم بتكرار تصرفات تثبت أنه غير قادر على الايمان التام بهذا المبدأ، أن يتم الاستغناء عن خدماته محافظة على سلامته وسلامة الاخرين وسلامة المصنع.ـ

تاريخيا، كانت شركة ديوبونت

(DuPont)

من أوائل من قاموا بالتفكير في السلامة ووضع مبادئها عندما بدأت عملياتها كشركة مصنعة للبارود في عام 1802 في ديلاوير في أمريكا.ـ

فنتيجة لطبيعة الصناعة كانت الحوادث والانفجارات تقتل الكثيرين وتدمر المصنع مما دفع عائلة ديوبونت لابتكار كثيرا من مفاهيم السلامة. كان منها اثنان من المبادئ الاساسية التي بنى عليها علم السلامة:ـ
مبدأ “أن كل الحوادث يمكن منع وقوعها”.ـ
ومبدأ “أن السلامة مسئولية الجميع”.ـ

وللتأكد من تحويل هذه المبادئ لمعتقدات راسخة تحكم كل تصرفات العاملين، قامت الشركة ببناء بيوت سكن كل من يعملون في المصنع وعائلتهم ومدراس أولادهم بجوار مباني المصنع فتحولت السلامة من متطلبات عمل إلى اساسيات حياة.ـ

ومن المفارقات أن تولد أفكار سلامة البشر من رحم صناعة البارود الذي كان يستعمل أغلبه في الحروب لقتل البشر.ـ

طبعا لا يوجد نجاح بدون معاناة وتاريخ الشركة الطويل التي تنوع نشاطها ومازالت موجودة حتى الان، يحكي قصة بها كثير من المعاناة. ولكنها كانت بداية تطور مفاهيم السلامة كما نعرفها اليوم.ـ

وهذا ما أعتقد أن قادة العالم السياسيين اكتشفوه مؤخرا في تعاملهم مع الكورونا. فهي ليست المراهنة على وعي أي من الشعوب كما يقول البعض، ولكنه ببساطة تطبيقا لمبدأ “أن كل مواطن مسئول عن سلامته وسلامة من حوله”.ـ

أتصور أنه ليس من مصلحة أحد تدمير اقتصاد العالم وتجويع شريحة كبيرة من سكانه بذريعة أن الشعوب لا تمتلك الوعي الكافي وبالتالي يجب حظر خروجها من مساكنها وتحجيم نشاطها بالقوة. وإذا كان من الممكن تنفيذ ذلك لفترة فقطعا لن يمكن الاستمرار في تنفيذه على كل الناس لكل الوقت.ـ

ومبدأ مسئولية المواطن هو نفسه المبدأ المطبق في كل نواحي الحياة الاخرى. فمثلا، كل سائق سيارة مسئول عن سلامته وسلامة من معه وسلامة مستعملي الطريق الأخرين. ولكن الاحصائيات في العالم كله تبين أن اعدادا كثيرة من البشر تقتل وتصاب كل يوم نتيجة سوء تصرفات مستعملي الطرق. صحيح هناك قوانين تنظم استعمال الطرق وتعاقب (فرضا) من لا يتبعها، ولكن تطور علم السلامة أثبت أن الفكر البوليسي لن يكون كافيا. فلن يستطيع أي نظام أن يراقب تصرفات كل مستعملي الطرق طول الوقت. ومع ذلك لم نسمع عن أحد نادي بمنع استعمال السيارات أو أغلاق الطرق.ـ

مثال أخر، كل مدخن مسئول عن سلامته وسلامة من حوله. لن أبحث عن الأرقام ولكن كم من المدخنين يموتون يوميا بسبب الامراض الناتجة عن التدخين؟ والمدخنون منهم المتعلم والمثقف والكبير والصغير وحتى الطبيب. لماذا لم يتم منع التدخين نهائيا؟ ولماذا لم يتم غلق مصانع السجائر درئا لمخاطر تدخينها؟ـ

وهكذا. حوادث البيوت، الحرائق، المخدرات، الكحول، البدانة، التعامل مع المواد السامة والمسرطنة، الاكل الغير صحي، حتى بعض الهوايات والرياضات الخطيرة والتي يصاب ممارسيها وأحيانا مشاهديها بالأذى أو القتل. كل ذلك وغيره من الممارسات الحياتية الغير أمنة في تصوري تتقاطع مع مفهوم الحرية وتدخل ضمن إطار المسئولية الشخصية.ـ

أذا فليتحمل كل شخص مسئوليته تجاه نفسه وتجاه الاخرين. وعليه وعلى المجتمع تحمل النتائج. هكذا عاشت المجتمعات، تطورت وتقدمت أو انهارت واندثرت.ـ

يوافق المجتمع على القتل الجماعي
ولذلك صنعوا الأسلحة

شارلي شابلن (1889 – 1977)ـ

الصراع العالمي

الأحد 5 أبريل 2020

قصة يمكن أن تكون فكرة فيلم (أكشن) انتاج صيني أو أمريكي أو ربما انتاج مشترك مع أخرين.ـ

الصراع بين الكبار، الصين وأمريكا وغيرهما، كان على تجارة العالم التي أصبحت لا تشبع النهم والطمع اللا محدود لنمو الثروة والسلطة. عندها اكتشف المصارعون أن المكسب لا يساوي عناء الصراع فقرروا، أو قرر أحدهم، خلق مكسب أكبر وهو تدمير اقتصاد العالم كله ثم إعادة تعميره. عندها ستكون المكاسب لا نهائية ولن يكون هناك داعي للصراع. في مشروع كهذا وقوع بعض الضحايا لن يكون مشكلة، فطبيعي أن يقتل الكثيرون في أي صراع وخصوصا إذا كان عالمي مثل ما حدث في المرتين السابقتين. ونحن نقتل الكثيرين يوميا بدون أي صراع. بل بالعكس، وقوع بعض الضحايا، وخصوصا بين شعوب الكبار، هو ضرورة لزوم الحبكة الدرامية للخطة.ـ

هكذا وصل الجشع بالكبار حتى انهم مستعدين لتدمير العالم لتحقيق مكاسبهم.ـ

طابور توزيع الخبز في نيويورك في ثلاثينيات القرن الماضي وقت الانهيار الاقتصادي الكبير قبل الحرب العالمية الثانية

لقطة من الماضي (فلاش باك): لقطات تظهر الحالة التعيسة للاقتصاد العالمي قبل الحروب العالمية ثم مشاهد للانتعاش الاقتصادي بعد هذه الحروب. على المستوى المحدود نرى لقطات من تجربتي الشخصية في حرب الكويت. مشاهد عن الوضع الاقتصادي الراكد وأسعار البترول التي كانت تنخفض بحدة قبل الحرب، ثم لقطات عن تدمير الكويت يليها مشاهد عن إعادة اعمارها، واستفادة كل من سمحت له أمريكا أن يأخذ قطعة من التورتة. المتضرر الوحيد في جميع الحالات هم بعض البشر الذين كانوا يعيشون في محيط الصراع. ومثل هؤلاء يجوز دائما التضحية بهم في سبيل المكاسب.ـ


ثم مفاجأة القصة. التدمير الصامت. فلا قنابل ولا صواريخ، لا دبابات ولا طائرات، لا منازعات ولا مشاحنات. الكورونا هي الوسيلة. ندعها تسبب شلل لاقتصاد العالم كله لمدة كافية لتدمير البنية الاقتصادية للعالم مع بعض الاضرار البسيطة لمبتكر ومنفذ الخطة. الفكرة سهلة وبسيطة. بعد إطلاق الكورونا يتم استغلال الاعلام لتهويل الأوضاع ثم يُترك الأمر للبشر المذعورين لينفذوا الخطة بدون أن يدروا على وسائل التواصل الاجتماعي.ـ


وبعد أن تتحقق الأهداف يتم القضاء على الكورونا. حيث يقوم البطل، سوبرمان أو باتمان أو سبيدرمان أو ربما فيروسمان، بمواجهة الكورونا وهزيمتها بأي أسلوب سينمائي عالمي. مثلا باختراع مبيد فيروسي يتم نشره في الغلاف الجوي، أو تخليق فيروس أخر يتغذى على الكورونا ويتم توزيعه على الناس من خلال الانترنت. يعني أي أسلوب مبتكر لإبهار المشاهدين المساكين الذين فقدوا عزيزا أو انهارت كثيرا من مقومات حياتهم.ـ

ثم دعوة للتفاؤل والنظر بأمل في المستقبل.ـ

أحد شوارع طوكيو اليابان 1960


لقطة من الماضي (فلاش باك): الاوضاع دائما بعد التدمير ثم إعادة التعمير تكون أحسن وأكثر تطورا فنرى مشاهد لما حدث خلال بضعة سنوات للعالم بعد الحرب العالمية الثانية كمثال. مشاهد للنمو والانتعاش الاقتصادي لكل دول الكبار بما فيها الدول التي هُزمت، ألمانيا واليابان.ـ



المشهد الأخير: بعد القضاء على الكورونا وإعادة التعمير، تعود الأحوال أحسن وأكثر تطورا ويعم السلام والرخاء.ـ

ثم تظهر على الشاشة “لقد هزمنا الكورونا” قبل أن تظهر “النهاية”.ـ

قد تكون الفكرة الفيروسية غير جديدة تماما على السينما، ولكن هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية.ـ

النمو من أجل النمو هو أيديولوجية الخلية السرطانية

إدوارد آبي – كاتب أمريكي راحل

محمد رمضان

الأحد 23 فبراير 2020

تذكرت هذه القصة من الزوبعة التي حدثت بسبب محمد رمضان.ـ

أثناء عملي في السخنة في أوائل الافين كان السفر يوم الأحد فجرا والعودة يوم الخميس بعد العمل هو الروتين الأسبوعي. كان طريق السخنة والذي كان يطلق عليه وقتها طريق القطامية خطير جدا لضيقه وازدحامه بعربات النقل، فكنا نستعمل طريق السويس. ولكن بعد سنتين أو ثلاثة تم توسعة طريق السخنة وتحولنا لاستعماله حتى قبل الانتهاء منه.ـ

كنت أحيانا أثناء رجوعي يوم الخميس أخرج من مخرج مصنع الاسمنت قبل محطة الرسوم واتجه لمنطقة القاهرة الجديدة، وخصوصا إذا كنت مسافرا بسيارة زوجتي الرباعية الدفع. كانت فرصة لإشباع رغبتي الدائمة للاستكشاف ولمتابعة تطور الحركة العمرانية وأيضا للعب بالسيارة في الصحراء التي كانت تغطي اغلب منطقة القاهرة الجديدة.ـ

في إحدى هذه المرات توغلت على ما يبدو أكثر من المعتاد ففقدت اتجاهاتي. وبعد ساعة تقريبا من السير في الطرق الغير ممهدة والمدقات فشلت في الوصول لأي من المعالم المعروفة وبدأت ارتبك، فالساعة كانت قاربت على الخامسة مساءا والتليفون لا يلتقط إشارة ولو دخل الظلام لن يكون هناك حل غير النوم في السيارة للصباح. طبعا هذا سيناريو كارثي، ليس لي ولكني أعلم تماما أن زوجتي بعد ساعات قليلة من عدم وصولي في موعدي ستفترض حدوث مصيبة وستتصرف تباعا. ولا مجال هنا لسرد تفاصيل تصرفاتها في مواقف مشابهة سابقة، ولكن باختصار شديد ستقوم جميع الجمهورية بافتقادي ومحتمل أن تفتقدني قارة أفريقيا كلها والقارات المجاورة أيضا، واللي ما يشتري يتفرج، على رأي المثل المصري. فزاد ذلك من ارتباكي.ـ

في وسط الصحراء المترامية وتحت قرص الشمس الذي تحول للون البرتقالي وبدأ يلامس التلال الصحراوية رأيت بناية تحت الانشاء يظهر بها بعض الحركة وعندما اقتربت كان يجلس امامها رجل على كرسي بثلاثة أرجل وتم الاستعاضة عن الرجل الرابعة للكرسي بقالبين طوب. فكان الانقاذ وتوجهت لطلب المساعدة.ـ

بداء الرجل يشرح الطريق ثم توقف وقال: “أقول لك، في واحد من العمال عندي وقع النهارده الصبح ورجله وجعاه ومكناش عارفين نعمل ايه طول اليوم والباشمهندس مجاش. ينوبك ثواب تخده معاك، يدلك على الطريق وبالمرة توصله لأي مكان فيه مواصلات عشان يرّوح”.ـ

أنا كنت غريق وهذا قارب نجاة وليست قشة فوافقت. عندها سمعت الرجل ينادي: “واد يا رمضان، أمك دعيالك، لملم خلجاتك وتعالى أركب مع الباشا حيوصلك لأقرب مكان فيه مواصلات”.ـ

بدأ تنفسي ينتظم وأنا أردد في سري “أنا اللي أمي دعيالي”ـ

ثواني وخرج رمضان من داخل عشة خشبية يتحنجل مستندا على قطعة خشب رافعا رجله اليسرى المربوطة بقطعة قماش تفتقر لأي معالم للنظافة واثار الألم ظاهرة على كل تعابير وجهه ومستندا على أثنين من زملائه الذين قاموا برفعه ليركب في الكرسي الامامي في سيارتي المرتفعة ويضعوا شنطته القماش على الكنبة الخلفية.ـ

محمد رمضان، وهذا اسمه بعد أن تعرفت عليه، شاب لم يكمل العشرين عاما بعد. لا يتحدث إلا إذا سُئل. بعد ربع ساعة تقريبا بتوجيهاته بدأت اتعرف على المعالم حولي وبدأت اسيطر على ارتباكي، فبدأت أحاول أن أعرف معلومات أكثر عنه رغم الإجابات المقتضبة التي كنت اتلقاها. عرفت أن رجله علقت بحديد التسليح فسقط عليها. وهو يتألم من وقت الحادث منذ الصباح. عرفت انه أصغر أخوته، يسكنون في عين شمس مع أبوهم وأمهم. وعرفت أنه وأخوته الأربعة لم يدخلوا المدرسة على الرغم من محاولات الاب المتكررة.ـ

عندما وصلنا مصر الجديدة اقترحت عليه أن نذهب للمستشفى لفحص رجله لربما يكون هناك كسر وليأخذ دواء مسكن للألم الذي يعاني منه. كان رده مفاجئة لي.ـ

ـ”أعوذ بالله، أنا مدخلش مستشفى أبدا”!ـ

ـ”ليه يا رمضان هي المستشفى عيب والا حرام؟”ـ

ـ”أحنا طول عمرنا بتعالجنا ست جارتنا ساكنة في أول الحارة. عمر ما حد فينا راح لدكتور ولا لمستشفى”!ـ

وفشلت كل محاولاتي لإقناعه لدرجة أنه طلب منى التوقف حتى ينزل فورا. فتوقفت عن محاولاتي لإقناعه وأنا لا اصدق هذا التفكير.ـ

ثم تكرر نفس التصرف عندما عرضت عليه توصيله لبيته. أيضا رفض تماما وبعد محاولات وبعد أن اقسمت له أن موقف اتوبيسات منطقة الالف مسكن في طريقي وافق أن أقوم بتوصيله للموقف.ـ

عندما وصلنا نزلت من السيارة لاساعده على النزول. ثم أخرجت مبلغا من المال طالبا منه أن يستعمله لركوب تاكسي بدل الميكروباص.ـ

ففاجئني رمضان للمرة الثانية قائلا: “هو مين اللي مفروض يدي فلوس لمين؟ المفروض أنا اللي اديلك فلوس عشان التوصيلة، ثم أنه مفيش تاكسي بيوافق يروح عندنا”.ـ

أسقط بيدي، لم أعرف كيف أرد على هذا الشاب الصغير الذي لم يتلق أي تعليم ولكن تشهد له عزة نفسه وكرامته رغما عن اصابته وتألمه. وفشلت للمرة الثالثة في إقناعه أنه هو الذي أنقذني من التوهان وقضاء الليلة في الصحراء.ـ

استند على زراعي حتى ركب الميكروباص بمساعدة باقي الركاب، وافترقنا.ـ

التكنولوجيا نجحت في تحديد موقعك على الأرض، تبقّى البحث عن تقنية تحدد فيها موقعك في الحياة

حسن كمال. كاتب وطبيب مصري

كورونا الفيروس والشوكولاتة

الأحد 16 فبراير 2020

مع أخبار انتشار كورونا (الفيروس) التي أصبحت تسيطر على جميع نشرات الاخبار خطر على بالي أن أعرف كيف يتم اختيار أسماء الفيروسات والامراض التي تسببها. عندما بحثت وجدت أن الموضوع معقد جدا. فهناك لجان عالمية وعلماء ومواصفات تفوق قدرتي على متابعتها ولكني عرفت أن هناك فكر ونظام علمي واجتماعي وسياسي أيضا يحكم هذه التسميات. فمن يريد التعرف على التفاصيل يستجمع قواه ويسبح في الكم الهائل من المعلومات المتوفرة عن الموضوع في الانترنت.ـ

بالنسبة لفيروس كورونا، وهو بالمناسبة الاسم الإعلامي وليست الاسم العلمي، فيقول أحد المواقع أن سبب تسميته بهذا الاسم هو لأنه يشبه التاج! ولكن كثير من المصادر الأخرى تؤكد أن الأسماء العلمية له مازالت غير متفق عليها تماما بين كل الجهات المعنية.ـ

هو صحيح فيروس ولكن لا نستطيع الانكار أن شكله جميل جدا !ـ

وعلى ما يبدو أنه لا يوجد علاقة بين أسم كورونا الفيروس وكورونا الشكولاتة.ـ

أما قصة كورونا الشوكولاتة فهي، نقلا عن موقع الشركة الحالي وعن بعض المواقع الأخرى، قد بدأت سنة 1919 عندما قام تومي خرستو وأخوه ديمي بتأسيس شركة رويال للشوكولاتة – كورونا – في الإسماعيلية. ثم تم نقل مقر المصنع بعد ذلك الى الإسكندرية. كان تومي، وهو من مواليد سنة 1891، هو الذي يقود الشركة بمساعدة أخوه وكان أبوهما خريستو رجل اعمال يوناني مشهور في الإسكندرية آن ذاك.ـ



القوة هي أن تستطيع أن تقطع قطعة شوكولاتة لأربعة أجزاء
ثم تأكل جزء واحد فقط




كان تومى يختار العاملين بعناية شديدة حتى يضمن مهارتهم في التعامل مع الماكينات التي استوردها من أوروبا لتحضير عجينة الشوكولاتة. وكان يؤمن بأن سعادتهم شرط مهم لصناعة الشكولاتة. حيث كان يعتقد أن عجينة الشوكولاتة حساسة جدا وتلتقط مزاج من يصنعها. فكان يعاملهم بكرم شديد في الرواتب والعلاوات من اجل تشجيعهم وحثهم على العمل، وكان يقوم بتوزيع صناديق كبيرة عليهم في بداية كل عام تحتوي على جميع منتجات كورونا.ـ

وفي ثلاثينات القرن الماضي تم نقل مقر كورونا لموقعها الحالي في شارع قناة المحمودية على مساحة ارض صغيره ثم توسعت بشراء أراضي مجاورة في سنة 1940. وكانت الشركة وقتها تنتج بسكويت بيمبو وبسكويت كورونا وشوكولاتة روكت بالمستكة وشوكولاتة كورونا.ـ

مصنع كورونا كان يعد الأول من نوعه ليس في مصر فقط بل في منطقة الشرق الأوسط. وأنشأ تومى بالقرب من المصنع ملعب لكرة القدم (ملعب رويال). كان يذهب إليه العاملون للعب. كانت المنطقة بها كثير من الغزال البري، وفى واحدة من المباريات اصطدمت الكرة بإحدى الغزلان فماتت. كان تومى حاضر المباراة فتأثر بشدة لموت الغزالة. فقام بإعلان صورتها العلامة التجارية للمصنع وأقام تمثالا لها على مدخل الشركة، ووضع صورتها على أغلفة كل منتجات المصنع.ـ

ولأن تومي كان رجل أعمال في الأساس، فاستغل نشأة وازدهار صناعة السينما في مصر وقام بإنشاء دارين للعرض في الإسكندرية هما سينما رويال وسينما ستراند وكان يمنح عمال مصنعه تذاكر مجانية لهم ولعائلاتهم.ـ

في سنة 1963 تم تأميم شركه كورونا بقرار رئاسي وتم ضم شركه نادلر الى كورونا في مصنع المحمودية تحت أسم مصنع الإسكندرية للشوكولاتة والحلويات. وفي سنة 2000 تم تخصيص شركه كورونا ببيعها لمجموعه سامي سعد بعد أن انهارت تمامًا واندثرت علامتها التجارية. وفي سنة 2013 تقدمت مسئولة الشئون القانونية بالشركة ببلاغ ضد رئيس مجلس الإدارة لغلق المصنع لتعثر الشركة ماليًا. تم عمل بعض التسويات وعاد المصنع للإنتاج.ـ

أحيانا كل الذي تحتاجه هو كثير من الحب أو….ـ
قطعة من الشوكولاتة