خمسة سياحة


الأحد 29 يوليو 2018

رحلة عمل لأمريكا الجنوبية كانت تبدأ من القاهرة إلى أمستردام ثم إلى كوراساو ومنها إلى بورت أوف سبين عاصمة دولة ترينيداد وتوبيجو. رحلة تستغرق أكثر من ثلاثين ساعة بين طيران وانتظار في مطاري أمستردام وكوراساو.ـ

مطار كوراساو

كوراساو هي جزيرة هولندية صغيرة ساحرة من جزر البحر الكاريبي، وهي مقصد سياحي للهولنديين والأوروبيين وهذا هو سبب وجود رحلات طيران مباشرة لها من أمستردام.ـ

وصلت مطار كوراساو الصغير في التاسعة صباحا بعد رحلة استغرقت أكثر من عشر ساعات في طائرة ضخمة ممتلئة تماما بالركاب الذين اعتبروا أنهم وصلوا إلى شاطئ البحر حتى قبل ركوب الطائرة في مطار أمستردام. كان قد مر على خروجي من البيت في القاهرة ما يقرب من 24 ساعة وكانت الخطة هي قضاء الثمان ساعات الترانزيت حتى موعد إقلاع الطائرة لبورت أوف سبين في السابعة مساء في استراحة رجال الأعمال في المطار بدون الخروج من المطار.ـ

بعد بعض المهاترات مع رجال الأمن الذين لا يتحدثون الإنجليزية اتضح أنني يجب أن أمر من الجوازات واستلم حقيبتي وأخرج من صالة الوصول ثم أعود لدخول صالة السفر من خارج المطار. دفعت 50 دولار رسوم دخول صالة الوصول حيث استقبلتني موظفة جوازات لطيفة بابتسامة كبيرة معتذرة على تأخيري وعندما نظرت لجواز سفري قالت باستغراب: أنت من أي بلد؟  بكل فخر أجبت “إيجبت”. قالت إنها لم تسمع عن هذه البلد من قبل! ثم سألت من أي قارة؟ هذه المرة أنا الذي استغربت وأنا أسمع نفسي أقول “أفريكا” فنحن عادة لا ننتبه أننا في الحقيقة أفريقيين.ـ

عادت بعد سؤال رئيسها تحمل نفس الابتسامة الكبيرة وطلبت مني دفع 100 دولار رسوم الفيزا لمدة أسبوع ثم أعطتني مجلة عن السياحة وهي تشرح لي جمال كوراساو لإقناعي بالاستفادة بالفيزا لقضاء بضعة أيام على الشواطئ الجميلة. حتى موظفين الجوازات يروجون للسياحة التي هي مصدر الرزق الوحيد لهذه الجزيرة. طبعا لم أستطع أن أقول لها أنه لا يوجد بيني وبين السياحة الشاطئية أي استلطاف.ـ

بمجرد خروجي من الباب وجدت نفسي وحيدا على الرصيف. كانت الساعة تقترب من الحادية عشر صباحا، ولكن صدمني الجو الحار شديد الرطوبة. توجهت مباشرة لصالة السفر على بعد خطوات وأنا أحمل حقيبة يدي وأجر حقيبة ملابسي الكبيرة وأحمل معطفي الثقيل، فقد تركت القاهرة في يوم شتائي بارد من أيام أواخر نوفمبر.ـ

اتضح أنني لن أستطيع الدخول إلا قبل موعد الطائرة بثلاث ساعات. نظرت حولي فلم أجد أي مسافر. هناك كافتيريا وحيدة كراسيها على الرصيف في هذا الجو الخانق وثلاثة محلات صغيرة مكيفة الهواء. شعرت بحجم الورطة وأنا أفكر كيف يمكن أن أقضي خمس ساعات بين هذه الأماكن الثلاثة.ـ

جلست في الكافتيريا في محاولة لإضاعة الوقت في الأكل والشرب ولكن الجو الخانق لم يساعد أبدا، فقد بدأت أغرق في عرقي بملابسي الشتوية ولم يكن هناك بدا من محاولة تمضية بعض الوقت في مكان مكيف تفاديا للسقوط في غيبوبة. دفعت 50 دولارا ثمن زجاجة المياه وقطعة البيتزا الصغيرة التي طلبتها ولم أستطيع أكلها وقمت أحمل وأجر أشيائي ودخلت محل الهدايا الصغير تاركا أشيائي على الباب في الخارج.ـ

شابة لطيفة قامت باستقبالي. بعد المقدمات شجعتني هذه الشابة على أن أشكي لها عن وضعي ففاجأتني بالتطوع لمساعدتي. موقفي البائس جعلني أستسلم لكل نصائحها.ـ

حشرت كل متعلقاتي داخل محلها الصغير وتوجهت معي لصديقتها في محل الألبسة التي قامت بالترحيب بي بمنتهي اللطف مما زاد من تأكدي أن اللطف والجمال أيضا متوفران بكثرة في هذه الجزيرة. دفعت ما يقرب من 100 دولار ثمنا لقميص وبنطلون وفي حمام العاملين غسلت عرقي ولبست ملابسي الجديدة. عندما خرجت من الحمام كنت أبدو كأني سائحا مناسبا للمكان.ـ

ثم ذهبت معها لصديقتها الأخرى في مكتب سياحة صغير على بعد خطوات حيث دفعت 50 دولار ثمنا لجولة سياحية في الجزيرة بالسيارة تستغرق ساعة بصحبة مرشدة سياحية تتفوق في اللطف على كل من قابلتهم. طبعا اكتشفت أن ساعة يمكن أن تدور فيها بالسيارة حول الجزيرة بأكملها وخصوصا أنني رفضت النزول من السيارة المكيفة. الحقيقة المكان ساحر فعلا بمبانيه المبنية على الطراز الهولندي ومناظر الطبيعة الخلابة هذا طبعا بالإضافة لمنظر السائحين المستمتعين في كل مكان.ـ

بانتهاء الجولة عدت لصديقتي في المحل. وعندما قلت لها أنني في منتهي الجوع، قامت بطلب الأكل وأنتهي بي الأمر أني عزمتها هي وصديقتها التي تعمل في محل الألبسة على ألطف وجبة بيتزا أكلتها في حياتي. طبعا كان لابد أن أصر على دفع الـ 150 دولارا ثمن هذه الوجبة اللذيذة. وعندما بدأ بعض المسافرون يدخلون المحل كان قد حان وقت رحيلي وكان من اللائق أن أشتري بعضا من الهدايا من المحل، فدفعت 50 دولار ثمنا لبعض الحجارة الملونة الصغيرة التي كانت تمثل مع القواقع البحرية غالبية المعروض للبيع في المحل وخرجت مودعا صديقتي الكوراساوية.ـ

على باب دخول صالة السفر دفعت 50 دولار رسوم الدخول. وبعد أن أنهيت إجراءات شركة الطيران وتوجهت لمكتب الجوازات استقبلتني نفس موظفة الجوازات بنفس ابتسامتها الصباحية قائلة “مستر كالداس فروم أفريكا …..ولكم”.ـ

وأخيرا وصلت لاستراحة رجال الأعمال مرتديا قميصا مزركشا وأحمل معطفا شتويا ثقيل.ـ

قام السائح بالصدفة هذا بدفع ما يقرب من 600 دولار في الخمس ساعات التي قضاها سائحا على هذه الجزيرة التي يستعمل سكانها اللطف كسلاح للدمار شامل.ـ

هكذا تكون السياحة وإلا فلا!!ـ

 

فيلم دعائي قصير (سبعة دقائق) عن كوراساو لمن يهمه الأمر مع الأخذ في الاعتبار المبالغة المعتادة في الافلام الدعائية

https://youtu.be/493ctKMJ2qY

Leave a Reply ! أترك رد

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.