السفر

الأحد 20 ديسمبر 2020

في زياراتي المتعددة لليابان شاهدت اعتماد اليابانيين في التنقل بشكل شبه كامل تقريبا على السكك الحديدية. تجد في أغلب المدن القطارات المعلقة والارضية والتحت أرضية في نفس المحطات في منظومة غاية في التعقيد كانت كل علاماتها الارشادية باللغة اليابانية حتى وقت قريب لذلك كان يصعب استعمالها بدون مرافق ياباني.ـ

في ساعات الذروة تتحرك كتل من ملايين اليابانيين داخل هذه المحطات في منظر يندر أن تراه في أي مكان في العالم. وعلى الرغم من ذلك تجد الالتزام الصارم والهدوء والنظافة. كما يوجد في كثير من المحطات موظفين كبار في السن يرتدون زي رسمي غاية في الشياكة عملهم الوحيد هو الوقوف جوار أبواب القطار لتحية الركاب. عرفت بعد السؤال أن هذه الشركات تقوم بإسناد هذه الوظيفة للعاملين الذين أحيلوا للتقاعد لتحسين ظروف حياتهم ولخلق دور لهم في خدمة المجتمع.ـ

أما القطارات بين المدن فهي قصة أخرى. الفخامة والهدوء والاتزان الذي يشعرك كأن القطار لا يتحرك على الرغم من اقتراب سرعته من 200 كم/ساعة ليقطع مسافة الـ 520 كم بين مدينة كوبي وطوكيو في ثلاث ساعات ممتعة بين مناظر الطبيعة اليابانية الخلابة وأيضا تتصل بالعالم من خلال شبكة الواى فاى داخل القطار. كان ذلك في سنة 2004 عندما كان أغلبنا لم يسمع عن تكنولوجيا الواى فاى بعد.ـ


معادلتي الصعبة:ـ
أحب السفر وأكره الرحيل!ـ

سارة درويش

الكلام عن فوائد السفر لا ينتهي. تحسين التواصل خصوصا مع الغرباء، تطوير الثقة في النفس والقدرة على التأقلم. تقليل الارتباط بأشيائك التي تكومها في بيتك بدون لزوم. اشباع حب المعرفة والاستكشاف والمغامرة. مقابلة ناس جديدة وجمع الذكريات الممتعة وغيرها الكثير. يعني باختصار السفر يجعلك أكثر سعادة.ـ

وعلى الرغم من أنه مازالت هناك كثير من الاماكن التي أحب أن أزورها غير أن حبي للسفر بالطائرات قل كثيرا حتى من قبل كارثة الكورونا نتيجة التعقيدات الأمنية وطوابير الفحص والتفتيش التي لا تنتهي. ونظرة رجال أمن المطارات على أن كل راكب هو إرهابي محتمل لحين اثبات العكس. هذا طبعا بالإضافة لبهدلة الحصول على الفيز والارتفاع الجنوني لثمن تذاكر الطيران. ثم جاءت الكورونا وقضت على أي احتمال للسفر بالطائرات إلا للضرورة القصوى ولا يعلم أحد حتى متى.ـ

عندما تنقشع غمة الكورونا فسيكون السفر بالقطار في مصر هو البديل اللطيف بالنسبة لي. فمازالت محطات القطارات تخلو تقريبا من أي عكننة امنية وشراء التذاكر سهل واثمانها معقولة، وهناك الكثير من الأماكن في مصر التي تصل لها القطارات والتي لم أزورها بعد. كما أن معايير السلامة تحسنت بشكل كبير ونوعية القطارات تطورت بشكل ملحوظ، بعد أن كان ركوب القطار يمثل مغامرة غير مضمونة العواقب. طبعا مقارنة مع المحطات والقطارات في الدول المتقدمة مازال أمامنا الكثير. كما يبقى السفر بالسيارات أو بالأتوبيسات (وخصوصا التي يقوم باستئجارها صديقنا العزيز الدكتور بهاء) بديل محتمل أخر وخصوصا مع استكمال الكثير من الطريق السريعة الجديدة.ـ

البني آدم منا علي سفر …ـ
النهارده بيغني زي طير الشجر …ـ
بكره لا حس ولا خبر …ـ

مصطفى محمود

الأكل

الأحد 29 نوفمبر 2020

لا يمثل الاكل بالنسبة لي أي أولوية في حياتي. فحاسة تذوقي للطعام تعاني منذ طفولتي التقزيم والاضمحلال وأحيانا الاختفاء التام. ربما تكون الكورونا قد اصابتني في طفولتي قبل أن يعرف عنها العالم. فأنا اكل أي شيء وكل شيء ونادرا ما يفرق معي شكل أو طعم ما يقدم لي من طعام. المهم أن يكون الاكل سهل وسريع وفي مواعيده المحددة وأخيرا بدأت أضيف صفة أن يكون صحي لدواعي انخفاض الكفاءة الهضمية. تظهر هذه المسألة بوضوح أكثر في السفريات. فدائما استخسر إضاعة أي وقت او مجهود في انتقاء ما اكل.ـ

في واحدة من سفريات العمل في بداية حياتي العملية بصحبة رئيسي لمدنية ميلانو في إيطاليا كان برنامج الرحلة لمدة يوم واحد لحضور اختبار معدة تحت التصنيع والعودة في اليوم التالي. ظل رئيسي يتذمر طول الرحلة من عدم وجود وقت للاستمتاع بالوجبات الإيطالية الشهية حتى انجزنا المهمة وفي الصباح الباكر لليوم الثاني كنا في المطار للعودة كما هو مخطط.ـ

بعد فترة انتظار تم اخبارنا بإلغاء الرحلة وتأجيل سفرنا للرحلة التالية بعد حوالي تسع ساعات وأننا يمكن ان نختار أن نغادر المطار لفندق قريب على حساب شركة الطيران أو نمضي الوقت في المطار مع اعطائنا كوبونات لعدد من الوجبات حتى موعد الإقلاع. حاولت اقناع رئيسي أن نذهب للفندق مع باقي الركاب ولكنه رفض تماما واختار أن يمضي الوقت متنقلا بين المطاعم العديدة المنتشرة في المطار. وطبعا اخترت أن أبقي معه. فهو في النهاية كان رئيسي.ـ

وفي ثواني تحول الانتظار لبرنامج يشبه برامج محطات التليفزيون الإخبارية، وجبة رئيسية على رأس الساعة ووجبات خفيفة خلال الساعة وذلك على مدار التسع ساعات التي قضيناها في المطار.ـ

طبعا لم أستطيع مجاراته في هذا الماراثون الغذائي وأعطيته كوبوناتي بعد أن أعلنت استسلامي قبل مرور اول ساعة وقضيت باقي الثمان ساعات نادما مرهقا وممدا على كرسي متعبا ومستمعا لنشراته الغذائية كل ساعة.ـ

وقد كان درسا، وبالهنا والشفا.ـ

إذا لم تستطع قيادة نفسك فلا تحاول قيادة الآخرين

وليام بن، كاتب انجليزي

مدينة دهب

الأحد 18 أكتوبر 2020

لا يوجد بيني وبين الرحلات الشاطئية عمار. فالجلوس على الرمال ومطاردة ظل الشمسية في الجو الحر لا تمثل أي متعة بالنسبة لي. واللعب مع الموج أو “البلبطة” في المياه الشاطئية تحت اشعة الشمس الحارقة تمثل إهانة غير مقبولة لتاريخي في السباحة والغوص. كما أن الروتين اليومي لمثل هذه الفسح يصيبني بالملل الشديد.ـ


ولكن في دهب القصة مختلفة تماما. خصوصا عندما تكون أول زيارة ومع باقة من أصدقاء العمر الأحباء.ـ

من داخل الأوتوبيس الرائع الذي قام صديق مبدع باستئجاره للرحلة

الطريق لمدينة دهب اقل قليلا من 600 كيلومتر من مصر الجديدة. منها حوالي 450 كيلومتر في سيناء حيث الإجراءات الأمنية مشددة ويتم التوقف والتفتيش عدة مرات. في أوقات الزحام من الممكن ان تضيف هذه الوقفات ساعات لوقت الرحلة.ـ
الطرق كلها جديدة وواسعة. ولكن بعضا منها مازال يخضع لبعض الاعمال فالاحتراس مطلوب وخصوصا أثناء القيادة الليلية التي يلجأ اليها كثيرا من المسافرين لسيناء.ـ
لذلك اللجوء لوسيلة مواصلات أمنة ومريحة ومضمونة مهم جدا لهذا
المشوار الطويل.ـ

ـ

مدخل الفندق الفاخر الذي أقمنا به

الغوص، في تصوري، هو اهم متعة في دهب. كما هو في كل الشواطئ المحيطة التي تمتد جنوبا من رأس محمد وشمالا حتى نهاية خليج العقبة. الطبيعة البحرية البكر على طول هذه الشواطئ تمتلئ بكل أنواع الشعاب المرجانية والكهوف البحرية والحفر العميقة والبحيرات السحرية.ـ
وإذا كان الغوص خارج نطاق الإمكانيات، فإن الاستمتاع بمشاهدة هذه الطبيعة الخلابة باستعمال نظارة البحر وتجربة مغامرات رحلات السفاري في الجبال والتخييم يمثل الاختيار التالي للمتعة.ـ

الشاطئ الرائع للفندق الذي أقمنا به

لكن على ما يبدو أن انحسار السياحة بسبب الكورونا تسبب في تغيير نوعية سائحي دهب. فأصبح يقصدها الكثير من السائحين خصوصا الشباب للاستمتاع بأسعار دهب الزهيدة، فتحولت شواطئها لما يشبه مصايف الساحل الشمالي الشعبية مثل رأس البر وجمصه والعجمي.ـ
ولأن فكرة السياحة الأساسية في دهب هي العيش ببساطة وبدائية، فإن البنية التحتية في غالبية الأماكن منعدمة تقريبا. النتيجة الحتمية هي أن بعض الأماكن، وخصوصا المشهور منها، بدأت تأن تحت وطأة التعامل مع مخرجات هذا النوع من النشاط الإنساني الكثيف. فأصبحت البقايا البلاستيكية والقمامة تزين الصخور والشواطئ. والحقيقة أنني لا أدري أين يذهب الصرف الصحي في هذه المناطق!ـ

الملفت أيضا أن الكمامة والتباعد ليس لهما تواجد مطلقا. وكان رد عامل في أحد المطاعم المنتشرة أمام الثقب الأزرق (البلو هول): “لا يا باشا، الكورونا مابتجيش هنا خالص”.ـ

في الطريق إلى البلو لاجون في صندوق النصف نقل


ولأن الاستكشاف والمغامرة هي متعتي في السفر فقد كانت الرحلة حقيقي ممتعة وخصوصا يوم رحلة (البلو هول) وركوب القارب لمنطقة رأس أبو جالوم ثم الركوب في صندوق سيارة نصف نقل متهالكة لأكثر من نصف ساعة على طرق غير ممهدة في الممر الذي يفصل بين البحر والجبال للوصول لشاطئ (البلو لاجون) حيث كانت تستعمل الجِمال (الأبل) لنقل السائحين على هذا الممر قبل ذلك، ومازال القليل منها موجود حتى الان.ـ
وقد استمتعت بكل التجربة مع أنني لم المس مياه البحر في هذا اليوم لعدم وجود مياه عذبة للاستحمام في أي من الأماكن التي توقفنا عندها، حتى بعد الحاح الأصدقاء الذين لم تمنعهم هذه التفصيلة الصغيرة عن نزول البحر ومشاهدة الشعاب المرجانية والثقب الازرق.ـ
وفي المساء تطلب الموقف قرصين مسكّن للقضاء على الاثار الجانبية لهذه الشقاوة الشبابية.ـ

الخلاصة: إذا كنت من هواة الاستجمام والاستلقاء على رمال الشاطئ و”البلبطة” مع خدمة الفنادق المريحة، فهناك أماكن في مصر أفضل من دهب وأسهل في الوصول اليها. أما إذا كنت من هواة الغوص أو استكشاف الشعب المرجانية بنظارة البحر وتبحث عن المغامرة والاثارة في بيئة بدائية وبسيطة وبأسعار منخفضة مع أهل سيناء الطييبين فيجب أن تعيش تجربة دهب الفريدة، وبسرعة، لأن في تصوري أن هذه الطبيعة البكر لن تتحمل طويلا كثافة الضغط البشري غير المناسب التي تتعرض لها الان.ـ

السفر – يتركك عاجزا عن الكلام، ثم يحولك إلى راوي قصص

أبن بطوطة

الونش

الأحد 20 سبتمبر 2020

بعد انتهاء غالبية مشروع التطوير والتوسيع والتجميل اختفى تقريبا الزحام الذي كان يخنق شوارع مصر الجديدة. فالكيلومترات القليلة التي كانت تستغرق أوقات طويلة أصبحت لا تستغرق إلا دقائق معدودة.ـ

والجديد أيضا هو قيام إدارة المرور بتسيير دوريات سيارات الونش البوليسية الكثيرة المزودة بمعدات رفع السيارات أو كلبشتها. عليها طاقم يقوده ضابط شاب تعمل طوال النهار والليل لدفع السائقين على احترام علامات ممنوع الانتظار وعدم الانتظار صف ثاني لهدف أساسي واحد هو المحافظة على السيولة.ـ

العجيب فعلا هو تعامل السائقات والسائقين مع هذا النظام الجديد. فأصبحت قريحة التحايل ومحاولة الهروب من الونش فرجة ممتعة تشبه أفلام كرتون توم وجيري التاريخية.ـ

ربما يختلف البعض على فكر التطوير وشكله وتفاصيله ولكني لا اعتقد ان هناك من يختلف على انفراج السيولة المرورية. المشكلة الكبيرة في تصوري هي الغياب الكامل لوعي السلامة في طريقة تعامل السائقين والمشاة مع الشوارع الواسعة السريعة. والواقع أن غياب الوعي وعدم احترام أي نظام للمرور هي السمة السائدة في شوارع غالبية مدن مصر. وإذا كان تغليظ العقوبات ورفع قيمة المخالفات هي وسيلة المسئولين في محاولة التحكم في انضباط الشارع، فأتصور أن تعليم السائقين والمشاة أن الشوارع ليست غابة أو ميدان معركة وتوعيتهم بنظم وقوانين استعمال هذ الشوارع يجب أن يلقى اهتمام أكثر.ـ

فربما يكون من المفيد تعليم الأطفال في المدارس الالتزام بالنظام ومراعاة حقوق الاخرين. التحدي الكبير هنا هو أيجاد معلمين لذلك ففاقد الشيء لا يعطيه.ـ

تحضرني هذه القصة بالمناسبة:ـ

في إحدى رحلاتي لأمريكا قمت باختيار فندق له موقف للسيارة التي كنت مستأجرها. عند وصولي اكتشفت أن مبيت السيارة في موقف الفندق يكلف مبلغا كبيرا بينما كان مسموح الانتظار في الشارع أمام الفندق بتكلفة قليلة أثناء ساعات اليوم ومجاني من الساعة التاسعة مساءا حتى الساعة السابعة صباحا. القرار كان سهل وسريع. المشكلة أنني لم أكن اغادر الفندق قبل التاسعة صباحا وكان في تصوري انه لن يكون هناك من يبحث عن تأخير بسيط مثل هذا في شارع جانبي في واحدة من الضواحي المتطرفة لمدينة ميامي الكبيرة.ـ

سأترك لكم تخيل النتيجة.ـ

أهم ما نتعلمه في المدرسة هو حقيقة أن الأشياء المهمة لا يمكن أن نتعلمها في المدرسة

هاروكي موراكامي – كاتب ياباني

البداية

الأحد 13 سبتمير 2020

أمضيت أجازتي السنوية بالكامل سنة 1983 في رحلة لهولندا.ـ

رحلة من الرحلات التي تركت ذكريات لا تنسى وكانت بداية لكثير من الرحلات الاستكشافية لعدد كبير من عواصم ومدن العالم. والعجيب أني لا أتذكر كثيرا من التفاصيل عن عشرات ربما مئات الرحلات التي قمت بها مثلما أتذكر تفاصيل هذه الرحلة التي كانت الأولى في مشروعي لاستكشاف العالم.ـ

توقفت رحلة الخطوط الكويتية المتجه إلى لندن في مطار أمستردام لينزل منها راكبان اثنان بالعدد راكب كان من الواضح أنه هولندي وأنا.ـ

عندما وصلت حقيبة سفري كنت أنا الراكب الوحيد الموجود في صالة الوصول. لا أدري لماذا شك موظف وموظفة الجمارك في حقيبتي، أو ربما أرادا أن يتسليا في عدم وجود أي ركاب أخرين، فقررا تفتيش الحقيبة بدقة البحث عن ممنوعات متناهية الصغر. فقاما بإخراج كل المحتويات وتفتيشها قطعة قطعة بعد تفتيش الحقيبة نفسها. حتى معجون الحلاقة والاسنان قاما بإفراغهما. ثم طلبا مني الدخول لغرفة التفتيش الذاتي حيث قمت بخلع كل ملابسي، أقصد هنا كامل ملابسي حتى الشراب.ـ

من داخل واحدة من طواحين الهواء المشهورة بها هولندا

بعد الإنتهاء من التفتيش تم إعادة كل محتويات الحقيبة بهدوء شديد مستفز بنفس الترتيب الذي كانت عليه، وبدون تقديم أي إعتذار اعطتني الموظفة ورقة موضحة أنها تفيد أمكاني صرف مبلغ تعويضي للتلفيات. لا أتذكر المبلغ بدقه حاليا ولكني أتذكر أنه كان مبلغا كبيرا حتى أنه كان كافيا لشراء معجون الحلاقة والاسنان وعدد من المستلزمات الاخرى بالإضافة لتكلفة السيارة الأجرة من المطار للفندق في وسط مدينة أمستردام.ـ

وعلى الرغم من أن هذه لم تكن بداية مشجعة للرحلة ولكن الحقيقة أن باقي الرحلة كانت غاية في الامتاع.ـ

الانطباع الأول ليس دائما هو الانطباع الأخير

مقالات لها علاقة:ـ

“عمر”: https://wp.me/p7tXoW-vw

“تأشيرة خصوصي”: https://wp.me/p7tXoW-FL

تأشيرة خصوصي

الأحد 06 سبتمبر 2020

بعد أصرار رئيسي في العمل على قيامي بالإجازة السنوية لاستهلاك الرصيد المتراكم لإجازاتي الذي زاد عن الخمسين يوما، قررت القيام بإجازة خمسة أسابيع. خطتي كانت أن أمضي الأسبوع الأول في التخطيط لكيفية قضاء الأربعة أسابيع التالية.ـ

حدث ذلك في نهاية شهر مايو سنة 1983 بعد حوالي سنة ونصف من العمل بدون إجازة في معمل تكرير البترول في الكويت، وعندما كنت أقوم بتسليم عملي لزميلي نصحني بالسفر لأمستردام وأمضى معي بعض الوقت يشرح بإسهاب جمال وحلاوة البلاد الهولندية وختم بوصف مكان السفارة للحصول على التأشيرة.ـ

بعد يومين من بداية اجازتي قررت الذهاب للسفارة لاستكشاف المطلوب للحصول على التأشيرة. في الثامنة صباحا أوقفت سيارتي امام فيلا سكنية صغيرة يرفرف عليها علم هولندا. بعد الضغط على مفتاح جرس الباب والانتظار أكثر من عشرة دقائق عند المدخل الصغير للمبني اعتقدت انه لا يوجد أحد وانني أكيد اخطأت العنوان فقررت المغادرة وأنا اعيد تقييم فكرة السفر من أساسها. قبل أن أصل للسيارة سمعت صوت قفل الباب وهو ينزلق فرجعت مسرعا لأتفاجأ بسيدة خمسينية أوربية الملامح بقميص النوم تلقي تحية الصباح. مع اعتذاراتي شرحت لها انني كنت ابحث عن السفارة لعمل تأشيرة وهممت بالرجوع لسيارتي. فوجئت بها تطلب الاطلاع على جواز سفري وهي تأكد أن هذه هي السفارة فعلا.ـ

نظرت السيدة في جواز سفري ثم قالت بابتسامة صباحية منعشة: “أذهب لشراء التذكرة وأرجع بعد الساعة العاشرة”.ـ

وقفت مندهشا وأنا اسمع ردها على سؤالي بأن الأوراق المطلوبة هي التذكرة فقط وخمسة دنانير رسوم. لم أصدق ما أسمع ولكنها اعادت القاء التحية ودخلت مغلقة الباب ورائها.ـ

في العاشرة وخمسة دقائق كنت أضغط على جرس باب المبني حاملا جواز سفري وتذكرة سفر لأمستردام بتاريخ اليوم التالي وبتاريخ عودة غير محدد. وعندما فتحت لي نفس السيدة، لم تكن هذه المرة بقميص النوم.ـ

دعتني للدخول ليبدأ مسلسل من المفاجأت الغير متوقعه.ـ

فوجئت بأنني داخل مطبخ يتوسطه منضدة صغيرة حولها أربعة كراسي. قدمت نفسها (لا أتذكر الاسم) بأنها القنصل وهي أيضا زوجة السفير، ثم طلبت مني الجلوس وسألتني ماذا أريد أن أشرب وهي تقوم بصب القهوة لها. على ما يبدو أن ارتباكي كان واضحا فاقترحت هي أن أشرب معها القهوة وبدأت تسأل عن السكر واللبن. كنت أعيد تقييم الموقف وبدأت أشك أنني وقعت في مصيدة نصب.ـ

ما هي إلا لحظات حتى فُتح باب المطبخ الداخلي ليدخل رجل خمسيني أيضا طويل القامة ليلقي التحية ويجلس على الكرسي بجواري. قامت السيدة بتقديمه لي على أنه (لا تذكر الاسم طبعا) سعادة سفير نذرلاند (هولندا) وهو زوجها. هنا تصورت أن خطة النصب اكتملت وأنهما لا شك يخططان لشيء غير مفهوم وبدأت أفكر في خطة الهروب.ـ

لحظات وجاءت السيدة تحمل صينية عليها ثلاثة أكواب قهوة لتضع امامي كوبا لونه وشكله مختلف عن الكوبين الأخرين ثم جلست في الكرسي المقابل وطلبت جواز السفر، فقدمته لها بتردد ولم ألمس كوب القهوة المشبوه. وعندما سألتني عن التذكرة رفعت يدي المرتعشة لأقدمها لها فقالت انها لا تريد ان تراها، ثم مدت يدها لتفتح درج في المنضدة بجوارها.ـ

كنت شبه متأكد انها سوف تخرج مسدسا، ولكنها أخرجت قلما وبعض الاختام .ـ

بعد أن ارتشفت أول رشفة من قهوتها، فتحت جواز سفري وبدأت بوضع الاختام وهي تسألني عن سبب رغبتي للسفر وأين سأقيم وما إلى ذلك من الأسئلة. لم تتوقف في عملها على جواز سفري وهي تسمع ردودي المرتبكة. وعندما بدأت اسيطر على التوتر الذي اصابني كانت قد انتهت من جوازي ودفعته باتجاهي سائلة:ـ
“أتريد سكر إضافي في القهوة؟”

صورة التأشيرة من جواز السفر

بعد أن فحصت التأشيرة في الجواز ايقنت أنني فعلا في سفارة هولندا وأنني جالس في مطبخ بيت السفير مع السفير وزوجته نحتسي قهوة الصباح فلم اتمالك نفسي من وضع ابتسامة عريضة على وجهي جعلتها تسأل بمرح عن سببها.ـ

عند خروجي كنت قد أمضيت أكثر من ساعتين معهما نتبادل أطراف الحديث مع حصولي على كم من النصائح والمنشورات عن السياحة في بلاد البنيلوكس (بلجيكا ونذرلاند ولوكسومبورج) مع إفطار لذيذ قامت مدام سعادة السفير بإعداده بنفسها.ـ

في اليوم التالي، الأول من يونيو سنة 1983، كنت راكبا في رحلة طيران الخطوط الكويتية المتجهة إلى لندن عن طريق أمستردام.ـ



مقالة لها علاقة “عمر”: ـ
https://wp.me/p7tXoW-vw


إذا غيرت نظرتك للأشياء، الأشياء التي تنظر إليها تتغير

إبراهيم الفقي

النشيد الملكي

الأحد 26 يناير 2020

بمناسبة استحواذ أخبار العائلة الملكية البريطانية على كل نشرات الاخبار الأسبوع الماضي.ـ

بريطانيا من الدول المحببة لي. فكل زياراتي العديدة لها منذ شبابي كانت موفقة وممتعة. والحقيقة أن كل الانجليز الذين عرفتهم، وهم كثر، كانوا في غاية الاحترام واللطف. ربما أنني محظوظ أو ربما أن اتقاني اللغة له تأثير، ولكن هذا انطباعي عن بلاد الضباب حتى بعد أن بدأت التغييرات في التركيبة الاجتماعية تفرض وجودها في بعض الأماكن.ـ

كنت في زيارة لبريطانيا من فترة قريبة وتصادف أنني حضرت حدث أفتتح بغناء النشيد الملكي البريطاني. الحقيقة كانت أول مرة اسمع النشيد مما جعلني أبحث لمعرفة الكلمات التي لم التقطها اثناء الغناء، أو بمعنى ادق التي التقطها ولكني لم اصدقها.ـ

أقدم لكم ادناه ترجمتي لكلمات السلام الملكي لدولة بريطانيا العظمى، دولة الديموقراطية العريقة والذي ترجع أصوله لسنة 1744.ـ

وبدون أي تعليق.ـ

النص باللغة الإنجليزية مرفق لربما أكون قد أخطأت في الترجمة:ـ

ـ”الله يحفظ الملكة”ـ
الله يحفظ ملكتنا الكريمة، عاشت ملكتنا النبيلة، الله يحفظ الملكة
يرسلها منتصرة، سعيدة ومجيدة، تحكمنا لمدة طويلة، الله يحفظ الملكة
يا رب يا الله الموجود، شتت أعدائنا، واجعلهم يسقطون
دمر حيلهم المتخلفة، أربك سياساتهم، عليك نعقد آمالنا، الله يحفظ الملكة
ليس في هذه الأرض وحدها، لتكون رحمة الله المعروفة، من الشاطئ الى الشاطئ
يا رب أجعل الأمم ترى، أن الرجال يجب أن يكونوا إخوة، ويشكلوا عائلة واحدة
في كل العالم الواسع، من كل عدو كامن، من ضربة المغتال، الله يحفظ الملكة
مد ذراعك فوقها، من أجل بريطانيا دافع عنها، أمنا، أميرتنا وصديقتنا، الله يحفظ الملكة
هداياك المختارة التي تحتفظ بها، كن مسرورا أن تصبها عليها، ندعو أن تحكمنا طويلا
لتدافع عن قوانيننا، وتعطينا دائما السبب، للنغني بالقلب والصوت، الله يحفظ الملكة

 “God Save the Queen”
God save our gracious Queen, Long live our noble Queen, God save the Queen
Send her victorious, Happy and glorious, long to reign over us, God save the Queen
O lord God arise, scatter our enemies, and make them fall
Confound their knavish tricks, confuse their politics, on you our hopes we fix, God save the Queen
Not in this land alone, but be God’s mercies known, From shore to shore
Lord make the nations see, that men should brothers be, And form one family
The wide world over from every latent foe, From the assassin’s blow, God save the Queen
Over her thine arm extend, For Britain’s sake defend, our mother, prince, and friend, God save the Queen
Thy choicest gifts in store, on her be pleased to pour, long may she reign
May she defend our laws, and ever give us cause, to sing with heart and voice, God save the Queen

ليس هناك دولة ديمقراطية على الكوكب بأسره….. إلا ليبيا

معمر القذافي

سيوة

الأحد 17 نوفمبر 2019

آمون إله الشمس والريح والخصوبة ملك الآلهة المصرية، وإسكندر الأكبر أشهر وأعظم قائد عسكري في التاريخ، وقمبيز الثاني ملك الفرس ابن الشاه الإيراني قورش، والاستاذة أيفا عزيز امبراطورة الرحلات وقائدة الرحلة، والمهندس رامز عزمي ملك مشاريع الترميم والبناء في سيوة وصديق كل السيويين، وعلي عبد الله سليل الامازيغ وأظرف دليل سياحي، والأسطى شعبان محترف قيادة الاوتوبيسات واصلاحها على الطريق، ومجموعة من الأصدقاء المميزين تجمعهم الرغبة في الانبساط والاستكشاف والتسوق مجتمعين في حدوته عن التاريخ والفن والثقافة من عالم الخيال على خلفية من الطبيعة البكر، أبار وعيون مياه وأشجار النخيل والزيتون والصحراء والرمال والملح.ـ

هذه هي سيوة كما عرفتها من رحلتي لها الأسبوع الماضي.ـ

في واحة سيوة هذا المكان البعيد المعزول ننتقل فيه عبر المكان والزمان لنعيش في عصر البيوت المبنية بحجر الكرشيف الطيني مع ناس طيبين عاداتهم وتقاليدهم لم تتغير كثيرا على مر التاريخ باستثناء استعملهم الجنوني للترسيكل الذي حل مكان العربات التي كانت تجرها الحمير.ـ

نتسلق سلالم مدينة شالي القديمة ونمشي في دهاليزها العجيبة مستمعين للمهندس رامز وهو يحكي قصص تاريخها وترميمها. نركب سيارات الدفع الرباعي لنطير فوق الكثبان الرملية ثم نفاجأ بعين مياه وسط الصحراء تظللها أشجار النخيل المملوءة بلح لذيذ فمنا من يغطس في العين أو يبلل رجله مستمتعين بأكل البلح وشرب الشاي.ـ

نتنقل بين مدينة شالي والبابنشال وجبل الدكرور وعين كليوباترا وجزيرة فطناس وجبل جعفر وجبل الموتى وبحيرات الملح وبحر الرمال، ثم يأتي منظر غروب الشمس الساحر منعكسا على البحيرات الواسعة قبل أن يأتي الليل لنسمع صوت الصمت التام المنسي الذي لا يقطعه إلا صوت نباح كلب بعيد أو صوت زمجرة تريسيكل شارد أو صوت نهيق حمار في الفجرية.ـ

نتمشى في دكاكين أسواق مدينة سيوة والتي على بساطتها ممتلئة بأصناف البلح والزيتون والزيوت والمربات والاشغال اليدوية والتماثيل المضيئة التي صنعت من الملح الصخري.ـ

وعلى الرغم من أن أهل سيوة يتحدثون مع بعضهم بلغتهم الأمازيغية ذات الموسيقي الجميلة، ولكنهم يتحدثون مع الضيوف بالعربية كمن تعلمها كلغة ثانية. ويتحدثون مع الضيوف الأجانب بعدة لغات أخرى.ـ

واحة سيوة مكان من عالم الخيال.ـ

بالتأكيد، السفر هو أكثر من مجرد رؤية المعالم، إنه تغيير مستمر، عميق ودائم في رؤيتنا للحياة

ميريام بيرد – مؤرخة ورحالة أمريكية

الاحترام

في إحدى رحلاتي لليابان اكتشفت بعد وصولي أنني نسيت إحضار دواء الضغط الذي أتعاطاه يوميا. مدة الرحلة كانت على ما أتذكر أسبوع أو أكثر قليلا. فتطوع صديقي العزيز ورفيق كل رحلاتي لليابان المهندس محمد الغانمي لمرافقتي للبحث عن بديل في صيدليات مدينة كوبي الجميلة حيث كنا نقيم.ـ

محمد الغانمي بالإضافة لشخصيته الجميلة المرحة بتواضع ونبل ومهارته الاحترافية في صناعة البتروكيماويات فهو يتقن اللغة اليابانية تماما مثل اليابانيين بل في بعض المواقف كنت أعتقد أنه يتقنها أكثر منهم. وهو بالتبعية يعرف تماما عادات وتقاليد اليابانيين ويتقن التعامل معهم. وهذا أمرا غير بسيط بالمرة، فالشعب الياباني له خصوصياته التي تميزه عن باقي شعوب العالم. ووصف اليابان بكوكب اليابان هو وصف صحيح تماما. ويرجع الفضل له في تعليمي مهارة التعامل مع أصدقائنا اليابانيين. ـ

مع صديقي العزيز المهندس محمد الغانمي. اليابان محطة القطار في مدينة كوبي. 5 ديسمبر 2004

من أهم خصوصيات الشعب الياباني هو الاحترام. الاحترام في اليابان لا يوجد له مثيل في أي مكان أخر في العالم. فحياة الشعب الياباني مبنية، في تصوري، على الاحترام. احترام النفس، احترام الاخرين، احترام النظام والقانون، احترام الوطن، احترام المواعيد، باختصار احترام كل شيء. مجتمع قائم على الاحترام ولم تؤثر العولمة والرأس مالية حتى الان، على حد علمي، في هذا الموروث الشعبي.ـ

دخلنا صيدلية صغيرة في إحدى شوارع مدينة كوبي القديمة الضيقة. كانت البائعة الشابة تتحدث مع رجل كبير في السن. طبعا في مثل هذه المواقف كنت دائما أضع الابتسامة اللازمة للتعامل وأراقب صديقي وهو يتصرف.ـ

بعد تبادل التحية مع البائعة وقف صديقي محمد في هدوء لانتظار ان ينتهي الحوار الدائر بين البائعة والرجل المسن. دقائق وهم الرجل بالانصراف بعد تبادل تحية الانحناء اليابانية المعروفة. فخرجت البائعة ورائه وهي تتمتم وتنحني بالتحية عدة مرات وظلت تفعل ذلك حتى عبر الرجل الشارع واختفى عن الأنظار. الحقيقة أن الموقف لفت انتباهي. وعندما استفسرت من صديقي بعد أن خرجنا من الصيدلية قال إن هذا الرجل كان والدها. هكذا يعبر اليابانيون عن احترمهم لأباءهم.ـ

طبعا لا يجوز بأي شكل من الاشكال مقارنة عادات وتقاليد الشعب الياباني بعادتنا وتقاليدنا لاختلاف الموروث الثقافي واختلاف الخصوصية. ولكن مما لا شك فيه أن الاحترام في حياتنا أصابته نوبة تدهور كبيرة حتى كاد أن يندثر، وغاب عن كثير من مظاهر حياتنا. وحلت مكانه تصرفات لا أعرف تماما مسمياتها.ـ

وللأسف عندما يغيب الاحترام تغيب معه كثير من القيم التي بدونها لا تبنى حضارات ولا تتقدم أمم. قيم مثل المواطنة والولاء والقانون والواجب.ـ

فأما أن نعيد بناء احترامنا لنكون أو لن نكون.ـ

العقل الواعي هو القادر على الاحترام